نصف قلب - قصة قصيرة

اشتد هزيم الرعد وانهمرت الامطار وأحست سهر بالبرودة تسرى فى اوصالها فإتجهت الى سريرها وتدثرت وشرعت تكمل قراءة رواية انا كارنينا حتى يداعب النوم عينيها
وفى الصباح انطلقت الى عملها فى همة ونشاط وقبيل انصرافها زارتها ليلى صديقتها وطلبت منها سهر ان تنتظر دقائق لتنهى اعمالها ثم ينصرفا معا وفتح احمد -مديرها- باب مكتبه لينصرف ووقعت عيناه على ليلى وجذبه جمالها الرائع فأطال النظر اليها حتى احمرت وجنتاها خجلا فأنتبه الى نفسه ثم حياهما فى ادب وانصرف
وفى اليوم التالى وجدته سهر بالمكتب على غير عادته فهو عادة يأتى الى المكتب فى وقت متأخر ..استدعاها الى مكتبه ومرت لحظات وهوصامت ثم استجمع شجاعته وسألها عن صديقتها واندهشت سهر لسؤاله فأجابها بأنه معجب بصديقتها ويود التعرف اليها اكثر فهو يفكر فى التقدم لخطبتها..حدثته سهر عن صديقتها وأثنت عليها فطلب منها راجيا ان تنقل الى ليلى رغبته فى التقدم اليها لخطبتها
بهتت سهر لما سمعته ..ثم هزت سهر راسها بالموافقة وهى واجمة وخرجت من مكتبه تمسح دمعة انحدرت على وجنتيها فى غفلة منها.. عادت الى المنزل طاوية احزانها والامها كانت تحب احمد منذ امد طويل وكانت تكتم حبها تعلم انه حب بلا امل فاكتفت بأن تكون الى جواره تملا قلبها وعينيها من رؤياه دون ان تطمح الى ابعد من ذلك ولكن بعد ان تقدم لصديقتها فقد اصبح محرم عليها حتى التفكير فيه وصرخت فى الم اى هوة سحيقة القتنى بها الاقدار
والتقت صديقتها فوافقت ليلى على الفور كان احمد عريسا مثاليا فهو وسيم وثرى من عائلة عريقة وهى من اسرة متوسطة وسينقلها ارتباطها به من حال الى حال
فى اليوم التالى ذهبت سهر الى العمل وبشرت مديرها بالموافقة فانشرح صدره ولمعت عيناه ببريق السعادة واخبر سهر انها تميمة حظه ولهذا فهو يحبها ..ردت عليه هامسة وانا ايضا احبك
مرت الايام واحمد وليلى لا يفترقان كانا يعدان لحفل الخطبة وكان مبهورا بخطيبته يختال بجمالها الفتان وذات يوم غادر المكتب مبكرا ودخلت سهر مكتبه ..واخذت تتلمس ادواته فى هيام ووجدت سترته معلقة فاحتضنتها وراحت تقبلها وتبكى.. وفجأة دخل احمد المكتب فبهت لما رأى وانصرف من المكتب دون ان تشعر به
اصيب احمد بالذهول فلم تكن لديه اى فكرة عن شعور سهر نحوه وتعجب ان تحمل له كل هذا الحب دون ان يدرى ووقع فى بحار الحيرة واعاد التفكير فى موضوع خطبته ومرت به الايام وهو يزداد قربا من سهر ولفت نظره كيف انها مرحة تشيع جوا من البهجة وكانت حانية يحبها الجميع واخذ يتأملها وتعجب كيف لم يلفت انتباهه جمالها الهادئ الوقور من قبل كانت بيضاء وجهها مستدير عيناها بنيتان نجلاوتان لها انف دقيق وفم رقيق وكانت ابتسامتها ساحرة ودون ان يدرى وجد نفسه يتعلق بها
وقرر انه لن يستطيع ان يكمل ارتباطه بليلى فلا يستطيع ان يحيا معها بنصف قلب وقرر ان يتحدث مع سهر فطلب منها الجلوس ليحدثها فى امر هام
جلست امامه سهر وتحاشت النظر الى عينيه فقال فى حسم
لقد قررت ان انهى ارتباطى بليلى
قالت فى صوت مرتجف : ما الذى حدث
قال : لقد اكتشفت انى لم احبها كنت مبهورا بجمالها فقط
وانا الان اجد نفسى وقد تعلق قلبى بغيرها
ثارت سهر لكرامة صديقتها وقالت :ولكن ليلى مسكينة ..ماذا فعلت لتكسر قلبها بهذه الطريقة
وفاجأها احمد بقوله : انا احبك يا سهر
هزتها الكلمة زلزت اعماقها فلطالما تمنت ان تسمعها ولكن الان ..لقد فات الوقت ..لا يمكن ..فهبت واقفة وقالت
ولكن انا لا احبك ..لم احبك يوما .. ولن احبك ابدا ..وانصرفت ..وعقدت العزم الا تعود الى المكتب ثانية فمهما كان قلبها متعلقا بأحمد فلن تحتمل ان تسرق خطيب صديقتها لن تستطيع ان تحيا هانئة مع هذا الاثم
وعادت الى بيتها تنساب الدموع على خديها وصرخت فى يأس :
ماذا افعل حين يمزقنى شوقى اليه ..كم على ان اخسر فى هذا العالم حتى اربحك ليت لدى جناحان لطرت اليك وابتعدنا عن هذا العالم ..احست انها ضائعة كزورق عبث به اليم وتقاذفته العواصف الهوجاء فألقت به الى جزيرة نائية ..واسدلت الستار على قصة حبها
اختفت سهر ولم يعثر لها على اثر وكان يحدق فى السماء الحزينة ويناجيها ..لا تغلقى ابوابك عنى فانا بدونك احيا فى ظلمة موحشة كنبتة ذابلة فى ارض جدباء عودى الى حتى تعود الروح الى جسدى الواهن
ولم تعد سهر ولم يرها ثانية ..وكانت البائسة تذهب الى مكتبه تقف من بعيد لتلمحه بعينيها المحزونتين كلما قتلها الشوق اليه ثم تعود الى بيتها محطمة النفس مكسورة الفؤاد